فلسطين أون لاين

تقرير "المياه العادمة والمخلفات".. سلاح المستوطنين لسلبِ أراضي "جينصافوط"

...
مكب للنفايات الإسرائيلية على أراضي مدينة قلقيلية
قلقيلية/ غزة –فاطمة الزهراء العويني:

ينظر المزارع أحمد عيد لأرض عائلته في قرية "جينصافوط" بأسى وهي تفقد أشجار الزيتون التي زرعها أجداده واحدةً تلو الأخرى، فتلك الأشجار التي ترعرع بينها وهي تضرب جذورها في الأرض منذ مئات السنين لم تستطع أنْ تقاوم الحرب الممنهجة التي يشنها المستوطنون.

ففي "جينصافوط" يخوض الاستيطان الإسرائيلي حربًا على الأرض الفلسطينية تتمثل في "المجمعات الصناعية" التي تحتل أرضها وتدمر الجزء الآخر، فقد بنيت تلك المجمعات على أراضٍ صادرها الاحتلال عنوة من أربع قرى هي "جينصافوط"، و"أماتين"، و"الفندق"، و"دير استيا".

ولم يقف الحال بالاستيطان –وفق عيد- عند هذا الحد بل إن "المخلفات والمواد العادمة" التي تنتجها التجمعات الصناعية تدمر ما تبقى من أرضٍ بحوزة أصحابها، وتقتل الأشجار المُعمّرة خاصة الزيتون.

يقول: "يريدوننا أن نهجر الأرض كي يوسعوا مستوطناتهم بداخلها، لكننا لن نفعل ذلك مهما كان الأمر صعبًا، ها نحن نحارب لنصمد هنا، نرى أرضنا وقد تشبعت بالمياه العادمة ومخلفات مصانعهم، لكننا نحاول إيجاد وابتكار طرق للبقاء".

ويوضح عيد أن ما يزيد عن مئة شجرة من الزيتون المعمر شاخت بسبب "سمية المواد" التي تصلها من المجمعات الصناعية الاستيطانية، "ليس من السهل أبدًا أن ترى تلك الأشجار التي كبرت في ظلالها، تفقد رونقها بسبب قتل الاحتلال كل ما هو جميل في أرضنا".

اقرأ أيضًا: "قبور المستوطنين".. حيلة استيطانية لسرقة الأرض الفلسطينية

طرق للمكافحة

تعاون عيد وغيره من المزارعين المتضررين لحفر خنادق تجعل من المياه العادمة تنزلق ضمن مجرى واحد ما يخفف من الضرر الذي تصيبه للأشجار، "لكن الأشجار بالطبع على حافتيْ تلك الخنادق تضررت (..) قمنا بتقليم الأشجار المتضررة ومحاولة بعث الحياة فيها، في حين لجأ المزارعون لزراعة أشجار جديدة على حواف أراضيهم البعيدة عن مجرى المخلفات والمياه العادمة".

ومنذ عدة سنوات والمزارعون في "جينصافوط" يحاربون سياسة الاحتلال في إغراق أشجارهم بالمواد الكيماوية السامة، في حين تصبح التربة غير صالحة للزراعة وتنمو فيها أشجار شوكية غريبة، "لكننا نحاول بكل الطرق أن نبقي نوعًا من الحياة في أرضنا وعدم تركها نهبًا للاستيطان".

ويمضي بالقول: "عين الاحتلال هنا تنتظر أن نغفل لو لحظة عن أرضنا كي يستولي عليها للأبد، وعندما وجدوا أننا لم نترك أرضنا، لجأوا إلى طرق عدة وهي التجمعات الصناعية، والبؤر الاستيطانية الرعوية فهناك مستوطن منذ شهر ونحن نخوض معه معركة "كر وفر" في محاكم الاحتلال بسبب تجريفه عدة أراضٍ للاستيلاء عليها".

معارك قضائية

وأمام هذه الهجمة الاستيطانية الخطيرة لم يكن بيد مجلس قروي "جينصافوط" سوى اللجوء لقضاء الاحتلال بالرغم من إدراكهم التام بأنه لن ينصفهم لإيقاف تدفق المخلفات والمياه العادمة لأراضي المزارعين، كما يبين رئيس المجلس ساهر عيد.

ويشير إلى أن التقاضي لدى قضاء الاحتلال هو "كر وفر"، "فالمحكمة تُصدر قرارًا بوقف تدفق المخلفات لأراضينا، يلتزم المستوطنون مدة بسيطة ثم يعاودون الكرّة ونعود مجددًا للمحاكم وهكذا، إنه استنزاف نفسي ومعنوي".

اقرأ أيضًا: الخليل.. بناء بؤرة استيطانية جديدة على أراضي المواطنين

ويمضي ساهر بالقول: "لا يوجد أي حلول أخرى لدى قرية يحيطها الاستيطان من جهاتها الأربع، ويضيق عليها الخناق، في حين يشجع الاحتلال المصانع في الداخل المحتل على الانتقال للمنطقة الصناعية الموجودة في مستوطنة عمونئيل بتقديم امتيازات ضريبية لهم، ليوفروا على أنفسهم تكلفة التخلص من مخلفاتهم بتركها تغزو أراضينا".

وتنطلق المياه العادمة من المنطقة الصناعية لمسافة كيلومترين، مُضرةً بكل الأراضي في طريقها وقاتلة لعشرات أشجار الزيتون الرومية المعمرة التي يزيد عمرها عن مئات السنين.

ويقول رئيس المجلس القروي: "نحن الفلسطينيون نربي الزيتون كما نربي أبناءنا، كل شجرة هي نتاج عرق وتعب بذله أجدادنا حتى ورثناها عنهم جيلًا بعد جيل، فليس من السهل أبدًا أنْ يرى المزارع أشجاره وهي تشيخ وتذبل بفعل الاحتلال، إنه دمارٌ نفسي كبير، وكل هذه الإجراءات لن تتوقف طالما يتضرر الفلسطينيون فقط والمستوطنون بمنأى عن الضرر".

وأجرت مؤسسات مختصة دراسات حول الأراضي المتضررة في "جينصافوط" والقرى المجاورة وأثبتت أنها أصبحت غير صالحة للزراعة لعدة سنواتٍ مقبلة، حيث يغرقها الاحتلال بأطنانٍ من المخلفات السامة والكيماوية بجانب المياه العادمة بخلاف تضرر المواطنين من الروائح الكريهة.